الأحد 29 ديسمبر 2024

رواية رائعة بقلم دعاء عبد الرحمن

انت في الصفحة 43 من 99 صفحات

موقع أيام نيوز


ليخرج متوجها لعمله وهو يقول
هجبلك النهاردة وأنا راجع خمارات لف ...شغل الطرح ده مش عاجبنى
حملت مهرة حقيبتها وخرجت تعدو لتلحق بموعد الأختبار وأغلقت الباب خلفها ظلت أم فارس تنظر إلى الباب المغلق واجمة وبداخلها مشاعر كثيرة ودت لو كانت مخطأة فيها .
أستيقظت مهرة فزعة من نومها تصرخ باسم فارس وتناديه جلست على فراشها تلتقط أنفاسها بصعوبة كانت تبكى وهى نائمة على أثر حلم مفزع ولكنها فوجأت بالدموع ټغرق وجهها وكأنها كانت تبكى فى الحقيقة لا فى الحلم مسحت دموعها التى شقت طريقها فى ثبات على وجنتيها وأخذت تتمتم بالأستعاذة لتهدى من روعها قليلا وهى تدور بعينيها فى غرفتها لتتأكد أنها وحيدة فيها ولم يسمعها أحد نهضت متثاقلة من فراشها وهى تحيط جسدها بذراعيها لتبث الأمان فى نفسها فتحت نافذة غرفتها ليتسلل ضوء القمر إليها ويغمر وجهها مداعبا لوجنتيها أطلت برأسها للأسفل لعلها ترى خياله فى نافذته أو شرفته التى كانت غارقة فى الظلام أغلقت نافذتها واتجهت إلى فراشها مرة أخرى ولكنها سمعت صوته يتردد فى عقلها وهو يقول

لو شفتى كابوس أتفلى على الناحية الشمال ثلاث مرات واستعيذى بالله من الشيطان الرجيم ويستحسن تقومى تتوضى وتصلى ركعتين علشان تطمنى
توجهت مباشرة إلى الحمام توضات وصلت ركعتين أدخلا الطمأنينة فى نفسها ثم عادت لفراشها وقد داعب النوم جفونها فتثاقلت واستسلمت لنوم عميق
جلس فارس بجوار والدته حول مائدة الغذاء وبدأ فى تناول الطعام وهو يقول
مهرة رجعت من الامتحان ولا لسه يا ماما
هزت والدته رأسها نفيا وابتلعت طعامها ثم قالت
عندها درس بعد الامتحان على طول ..بتسأل ليه
ترك الملعقة من يده ونظر إلى والدته متسائلا
درس أيه ده وفين
نظرت إليه والدته بتفكير ثم قالت
مش عارفة درس أيه بالظبط اللى اعرفه أنها عندها درس ..بطلت أكل ليه
تناول ملعقته مرة اخرى وقال بضيق
أنا مبحبش قصة الدروس اللى مالهاش مواعيد دى .. وبعدين ما تاخد الدرس فى بيتها
لازم تروح تتنطط عند الناس بره والله أعلم بيوتهم عاملة ازاى وشكلها أيه.. وعندهم رجالة ولا لاء.
صمت قليلا ثم أردف قائلا
لما ترجع ابقى نادى عليها علشان عايزها.. لما نشوف أيه حكاية الدروس دى
شردت والدته قليلا وهى تقلب طعامها فى طبقها عدة مرات حتى لاحظ هو ونظر إليها وتسائل باهتمام
مالك يا ماما مبتكليش ليه
وضعت أمه معلقتها وشبكت أصابعها أمامها وهى تستند بمرفقيها على المائدة ونظر إليه بعمق وقالت
تسمح ملكش دعوة بالحكاية دى .. مهرة كبرت يا فارس ومينفعش تفضل تتعامل معاها كده وبعدين اخوها يحيى كبر وبقى راجل وهو اللى يقولها رايحة فين وجاية منين والكلام اللى انت عاوز تعمله ده
قالت جملتها الأخيرة وهو ينظر إليها بدهشة لا يكاد يصدق ما يسمع فقال باستغراب
من أمتى وانا مش مسئول عن مهرة .. أنت قولتيلى الكلام ده قبل كده لما جبتلها الخمارات وانا مركزتش معاكى لكن لما يتعاد تانى يبقى فى حاجة انا معرفهاش
مدت يدها وربتت على يده وقالت بشفقة
أنا عارفة انك انت اللى مربيها وبتعتبر نفسك مسئول عنها.. لكن يابنى دلوقتى الوضع اختلف مهرة كبرت خلاص
ترك ملعقته ونهض وهو يقول بانفعال شديد
معنى انها كبرت انى خلاص أشيل أيدى من المسئولية.. وانا عارف أن اخوها مكبر دماغه وبره البيت طول اليوم وابوها مسافر وسايبهم .
أعتدلت والدته وهى تقول 
طب يابنى تعالى كمل أكلك مالك زعلت كده ليه
أتجه إلى غرفته وهو يقول باقتضاب 
معلش يا ماما شبعت.. عن أذنك هدخل اريح شوية
هزت والدته رأسها فى عدم رضا وهى تقول بأسف
ربنا يهدى الحال
دخل فارس غرفته متبرما ألقى جسده على الفراش كما لو كان يدفع حملا ثقيلا عن كتفيه قد أثقله كيف يتركها وهى هى التى ولدت ووضعت بين ذراعيه مباشرة قبل أن تلامسها يدي والدتها وقبل أن يراها أخيها وقبل أن يعلم أبيها بأنها قد جاءت إلى الحياة هى التى كبرت بين يديه واحتوتها غرفته لسنوات طفولتها ومشاغباتها وألعابها وسعادتها ومرحها بل وبكائها وتبرمها وضجرها وزرع فيها القيم والأخلاق التى أحبها وعاداته المفضلة فأصبحت تتوقع تتصرفاته قبل أن يفعلها وعلم عنها كل شىء بل وأكتشفها كما اكتشفته فاصبحت كتابا مفتوحا أمامه خالى من الألغاز لاتوجد به علامة استفهام واحدة ترددت كلمات أمه فى عقله مقتحمة ذكرياته مبعثرة أفكاره وهى تخبره أن أخيها أولى بها لأنها قد كبرت.. وضع الوسادة على وجهه يريد أسكات هذه الكلمات التى غزت عقله وقال بعناد وبصوت مسموع ..لا لم تكبر !
نقر عمرو بخفة نقرات بسيطة باب مكتب صلاح ثم فتحه وأطل برأسه داخله وهو يقول
صباح الخيرات
ضحك صلاح وهو ينهض ويتجه إليه ..عانقه بحرارة وهو يقول
حمدلله على السلامة جيت أمتى 
قال عمرو بمرح
لسه نازل من الجتر يا بشمهنديز
أهتز صلاح ضاحكا وهو واضع ذراعه على كتف عمرو وقال
لاء شكلك أخدت الچنسية من كتر قاعدتك هناك
جلس عمرو على المقعد المقابل للمكتب وقال برجاء
أبوس أديكوا بقى كفاية.. أنا لفيت جمهورية مصر العربية كلها هو انا عملت فيكوا ايه علشان ترحلونى كل شوية كده
أختفت أبتسامة صلاح وجلس على المقعد المقابل لعمرو وقال بجدية
يعنى مش عارف عملت ايه.. حد قالك تتجوز
أستند عمرو بمرفقه على حافة المكتب ولوح بيديه قائلا
هو انا عارف
اتجوز.. هى الشركة كل مشاريعها خارج القاهرة ليه نفسى اعرف
مال صلاح للأمام وقطب جبينه قائلا
أسمع يا عمرو.. أنت عارف أنى بحبك زى ابنى بالظبط وبصراحة كده انا مش عاجبنى تصرفاتك .. أنت زى ماتكون عاجبك اللى بيحصل ومبسوط أن فى حد بيجرى وراك وعايزك
عقد عمرو يديه أمام صدره وقال معترضا
هو انا يعنى عاوز أتمرمط كده ..أنا بس والله عاوز احوش قرشين علشان اعرف اجيب العفش ..ولو سبت الشغل دلوقتى يبقى قول على جوازى يا رحمان يارحيم ..أعمل ايه مضطر استنى واشتغل واسافر واستحمل بعدى عن أهلى ومراتى لحد ما الاقى شغل تانى على الأقل بنفس المرتب اللى باخده هنا.
أسند صلاح ظهره إلى المقعد وقال متسائلا
يعنى جبت الشقة خلاص
قال عمرو بابتسامة واسعة 
أه الحمد لله حاجة كده إيجار بس حلوه ومش محتاجه توضيب كتير يعنى تقريبا جاهزة
أبتسم صلاح وهو يقول متهكما
يعنى عاوز ثلاث سنين كمان علشان تعرف تجيب العفش !
زفر عمرو بحنق وقال بضيق
والله منا عارف انا شكلى هطلب سلفة .. أنت ايه رايك
حك صلاح ذقنه وصمت قليلا يفكر ثم قال
فى حل تانى غير السلفة اللى انا متأكد ان مدام إلهام مش هتوافق عليها
قال عمرو بلهفة
إلحقنى بيه قوام
صلاح 
عندى واحد صاحبى عنده معرض كبير للأثاث ..هو بيبيع بالقسط .. أنا هروح معاك اعرفك المكان واكلموا وهو هيظبطك فى حكاية القسط دى ان شاء الله متشلش هم
هب عمرو واقفا وأمسك رأس صلاح وقبلها بقوة وقال
ربنا يخليك لينا يا كبير
ضحك صلاح ثم قال بجدية
عاوز نصيحتى ..أمشى دلوقتى قبل ما حد يشوفك ونتقابل بعد المغرب ونروح المعرض سوا .. بكره وبعده أجازة ممكن تاخد مراتك وتروحوا تنقوا العفش .
ثم أشار له محذرا وقال
ولما تنوى على معاد الفرح .. أنا اللى هخدلك الأجازة بنفسى علشان محدش يقفلك فيها
عانقه عمرو
 

42  43  44 

انت في الصفحة 43 من 99 صفحات